كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وما كان من الألفات في أول فعل أو مصدر، وكان يَفْعل من ذلك الفعل ياؤه مضمومة، فتلك الألف مقطوعة. تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} لأنك تقول: يُنْزَل. فالياء مضمومة. و: {رَبَّنَا آتِنَا} تقطع لأن الياء مضمومة، لأنك تقول: يُؤْتِى. وقال: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} و: {وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} لأنك تقول: يُؤتِي، ويُحْسِن. وقوله: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} و: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} فهذه موصولة لأنك تقول: يَأتي، فالياء مفتوحة. وإنما الهمزة التي في قوله: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} همزة كانت من الأصل في موضع الفاء من الفعل، إلا ترى أنها ثابتة في أتيت وفي أتى لا تسقط. وسنفسر لك الهمز في موضعه إن شاء الله. وقوله: {آتِنَا} يكون من آتى وآتاه الله، كما تقول: ذهب وأذهبه الله ويكون على أَعطنا. قال: {فَآتِهِمْ عَذَابًا} على فَعَل وأَفْعَلَهُ غيرُه.
وأما قوله: {الرحمن الرَّحِيمِ الْحَمْدُ} فوصلت هذه الأسماء التي في أوائلها الألف واللام حتى ذهبت الألف في اللفظ. وذلك لأن كل اسم في أوله ألف ولام زائدتان فالألف تذهب إذا اتصلت بكلام قبلها. وإذا استأنفتها كانت مفتوحة أبدا لتفرق بينها وبين الألف التي تزاد مع غير اللام، ولان هذه الألف واللام هما جميعًا حرف واحد كقد وبل. وإنما تعرف زيادتهما بأن تروم ألفا ولاما أخريين تدخلهما عليهما، فإن لم تصل إلى ذلك عرفت أنهما زائدتان ألا ترى أن قولك {الحمدُ للّهِ} وقولك: {العالمين} وقولك التي والذي والله لا تستطيع أن تدخل عليهن ألفا ولاما أخريين؟ فهذا يدل على زيادتهما، فكلما اتصلتا بما قبلهما ذهبت الإلف. إلا أن توصل بألف الاستفهام فتترك مخففة، ولا يخفف فيها الهمزة الأناس من العرب قليل، وهو قوله: {ءَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} وقوله: {ءَاللَّهُ خَيْر أَمَّا يُشْرِكُونَ} وقوله: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ}. وإنما مدت في الاستفهام ليفرق بين الاستفهام والخبر. إلا ترى انك لو قلت وأنت تستفهم: الرجل قال كذا وكذا فلم تمددها صارت مثل قولك الرجل قال كذا وكذا إذا أخبرت.
وليس سائر ألفات الوصل هكذا. قال: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} وقال: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّة}. فهذه الألفات مفتوحة مقطوعة، لأنها ألف استفهام، وألف الوصل التي كانت في اصطفى وافترى قد ذهبت، حيث اتصلت الصاد والفاء بهذه الألف التي قبلها للاستفهام. وقال من قرأ هذه الآية: {كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ} {أَتَّخَذْنَاهُمْ} فقطع ألف {أَتخذناهم} فإنما جعلها ألف استفهام وأذهب ألف الوصل التي كانت بعدها، لأنها إذا اتصلت بحرف قبلها ذهبت. وقد قرئ هذا الحرف موصولا، وذلك أنهم حملوا قوله: {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَار} على قوله: {مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ} {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَار}.
وما كان من اسم في أوله ألف ولام تقدر أن تدخل عليهما ألفا ولاما أخريين، فالألف من ذلك مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله: {مَا لَكُمْ مِّنْ اله غَيْرُهُ} لأنك لو قلت الإِله فأدخلت عليها ألفا ولاما جاز ذلك. وكذلك: أَلواح وإلهام وإلقاء مقطوع كله، لأنه يجوز إدخال ألف ولام أخريين. فأما إلى فمقطوعة ولا يجوز إدخال الألف واللام عليها لأنها ليست باسم، وإنما تدخل الألف واللام على الاسم. ويدلك على أن الألف واللام في إلى ليستا بزائدتين أنك إنما وجدت الألف واللام تزادان في الأسماء، ولا تزادان في غير الأسماء، مثل: إلى وأَلاَّ. ومع ذلك تكون ألف إلى مكسورة وألف اللام الزائدة لا تكون مكسورة.
وأما قوله: {الْحَمْدُ للَّهِ} فرفعه على الابتداء. وذلك أن كل اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلا من بعده فهو مرفوع، وخبره إن كان هو هو فهو أيضا مرفوع، نحو قوله: {مُّحَمَّد رَّسُولُ اللَّهِ} وما أشبه ذلك. وهذه الجملة تأتي على جميع ما في القرآن من المبتدأ فافهمها. فإنما رفع المبتدأ ابتداؤك إياه، والابتداء هو الذي رفع الخبر في قول بعضهم وكما كانت: أنَّ تنصب الاسم وترفع الخبر فكذلك رفع الابتداء الاسم والخبر. وقال بعضهم: رفع المبتدأ خبره وكل حسن، والأول أقيس.
وبعض العرب يقول: {الْحَمْدَ للَّهِ} فينصب على المصدر، وذلك أن أصل الكلام عنده على قوله: حَمْدًا لله يجعله بدلا من اللفظ بالفعل، كأنه جعله مكان أَحْمَدُ ونصبه على أَحْمَدُ حتى كأنه قال: أَحْمَدُ حَمْدًا ثم ادخل الألف واللام على هذه.
وقد قال بعض العرب: {الْحَمْدِ للَّهِ} فكسره، وذلك أنه جعله بمنزلة الأسماء التي ليست بمتمكنة، وذلك أن الأسماء التي ليست بمتمكنة تحرّك أواخرها حركة واحدة لا تزول علتها نحو حَيْثُ جعلها بعض العرب مضمومة على كل حال، وبعضهم يقول: حَوْثُ وحَيْثَ ضم وفتح. ونحو قَبْلُ وبَعْدُ جعلتا مضمومتين على كل حال. وقال الله تبارك وتعالى: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} فهما مضمومتان إلا أن تضيفهما، فإذا أضفتهما صرفتهما. قال: {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} و: {كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} و: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ} وقال: {مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} وذلك أن قوله: {أَن نَّبْرَأَهَا} اسم أضاف إليه: {قَبْل} وقال: {مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ}. وذلك أن قوله: {أَن نَّزغَ} اسم هو بمنزلة النَزْغ، لأن أنْ الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم، فأضاف إليها بَعْد. وهذا في القرآن كثير.
ومن الأسماء التي ليست بمتمكنة قال الله عز وجل: {إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي} و: {هَا أَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ} مكسورة على كل حال. فشبهوا الحمدَ وهو اسم متمكن في هذه اللغة بهذه الأسماء التي ليست بمتمكنة، كما قالوا يا زيدُ. وفي كتاب الله: {يا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} هو في موضع النصب، لأن الدعاء كلّه في موضع نصب، ولكن شبه بالأسماء التي ليست بمتمكنة فترك على لفظ واحد، يقولون: ذهب أَمسِ بما فيه ولَقِيتهُ أمسِ يا فتى، فيكسرونه في كل موضع في بعض اللغات. وقد قال بعضهم: لَقِيتهُ الأمسِّ الأحدث فجرّ أيضًا وفيه ألف ولام، وذلك لا يكاد يعرف.
وسمعنا من العرب من يقول: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتِ وَالْعُزَّى} ويقول: هي اللاتِ قالت ذاك فجعلها تاء في السكوت، وهي اللاتِ فاعلم جرّ في موضع الرفع والنصب. وقال بعضهم من الآنَ إلى غد فنصب لأنه اسم غير متمكن. وأما قوله: اللاتِ فاعلم فهذه مثل أمسِ وأجود، لأن الألف واللام التي في اللات لا تسقطان وان كانتا زائدتين. وأما ما سمعنا في اللات والعزى في السكت عليها فاللاه لأنها هاء فصارت تاءً في الوصل وهي في تلك اللغة مثل كان من الأمر كيتَ وكيتَ. وكذلك هيهاتِ في لغة من كسر. إلا أنه يجوز في هيهات أن تكون جماعة فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث، ولا يجوز ذلك في اللاتِ، لأن اللات وكيت لا يكون مثلهما جماعة، لأن التاء لا تزاد في الجماعة إلا مع الألف فان جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد.
وزعموا أن من العرب من يقطع ألف الوصل. أخبرني من أثق به أنه سمع من يقول: يا إِبني فقطع. وقال قَيْس بن الخطيم من الطويل وهو الشاهد الأول.
إذا جاوز الإِثنين سرّ فإنّه ** بنشرٍ وتكثيرِ الوشاة قمين

وقال جميل: من الطويل وهو الشاهد الثاني:
ألا لا أرى إِثنين أكرمَ شيمةً ** على حدثانِ الدهر مني ومن جُمْلِ

وقال الراجز: وهو الشاهد الثالث.
يا نفسُ صبرًا كلُّ حي لاق ** وكلُّ إثنين إلى افتراق

وهذا لا يكاد يعرف.
وقوله: {لِلَّهِ} جر باللام كما انجر قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ الرحمن الرَّحِيمِ} لأنه من صفة قوله: {للَّهِ}. فان قيل: وكيف يكون جرّا وقد قال: {إِيّاك نَعْبُدُ [5]}.
وأما فتح نون: {الْعَالَمِينَ} فإنها نون جماعة، وكذلك كل نون جماعة زائدة على حدّ التثنية فهي مفتوحة.وهي النون الزائدة التي لا تغيّر الاسم عما كان عليه: نحو نون مسلمين وصالحين ومؤمنين فهذه النون زائدة لأنك تقول: مسلم وصالح فتذهب النون، وكذلك مؤمن قد ذهبت النون الآخرة، وهي المفتوحة، وكذلك بنون. ألا ترى أنك إنما زدت على مؤمن واوا ونونا، وياء ونونا، وهو على حاله لم يتغير لفظه، كما لم يتغير في التثنية حين قلت: مؤمنان ومؤمنين. إلا انك زدت ألفا ونونا، أو ياء ونونا للتثنية. وإنما صارت هذه مفتوحة ليفرق بينهما وبين نون الاثنين. وذلك أن نون الاثنين مكسورة أبدا. قال: {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ} وقال: {أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا} والنون مكسورة.
وجعلت الياء للنصب والجرّ نحو {العالمينَ} و{المتقينَ} فنصبهما وجرهما سواء، كما جعلت نصب الاثنينِ وجرهما سواء، ولكن كسر ما قبل ياء الجميع وفتح ما قبل ياء الاثنين ليفرق ما بين الاثنين والجميع، وجعل الرفع بالواو ليكون علامة للرفع، وجعل رفع الاثنين بالألف.
وهذه النون تسقط في الإضافة كما تسقط نون الاثنين، نحو قولك: بنوك ورأيت مسلميك فليست هذه النون كنون الشياطين والدهاقين والمساكين. لأن الشياطين والدهاقين والمساكين نونها من الأصل ألا ترى انك تقول: شيطان وشُييطين ودِهقان دُهَيْقين ومِسْكين ومُسَيْكين فلا تسقط النون.
فأما الذينَ فنونها مفتوحة، لأنك تقول: الذي فتسقط النون لأنها زائدة، ولأنك تقول في رفعها: اللذون لأن هذا اسم ليس بمتمكن مثل الذي. ألا ترى أن الذي على حال واحدة.
إلا أن ناسا من العرب يقولون: هم اللذون يقولون كذا وكذا. جعلوا له في الجمع علامة للرفع، لأن الجمع لابد له من علامة، واو في الرفع، وياء في النصب والجرّ وهي ساكنة. فأذهبت الياء الساكنة التي كانت في الذي لأنه لا يجتمع ساكنان، كذهاب ياء الذي إذا أدخلت الياء التي للنصب، ولأنهما علامتان للإعراب. والياء في قول من قال هم الذين مثل حرف مفتوح أو مكسور بني عليه الاسم وليس فيه إعراب. ولكن يدلك على أنه المفتوح أو المكسور في الرفع والنصب والجر الياء التي للنصب والجرّ لأنها علامة للإعراب.
وقد قال ناس من العرب الشياطون لأنهم شبّهوا هذه الياء التي كانت في شياطين إذا كانت بعدها نون، وكانت في جميعٍ وقبلها كسرة، بياء الإعراب التي في الجمع. فلما صاروا إلى الرفع ادخلوا الواو. وهذا يشبه هذا جُحرُ ضبٍّ خَرِبٍ فافهم.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.
وأما قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فانه يجرّ لأنه من صفة اللَّهِ عز وجل.
وقد قرأها قوم: {مالكَ} نصب على الدعاء وذلك جائز، يجوز فيه النصب والجرّ، وقرأها قوم: {مَلْك} إلا أن المَلْك اسم ليس بمشتق من فعل نحو قولك: مَلْك ومُلوك وأما المالك فهو الفاعل كما تقول: مَلَك فهو مالِك مثل: قهر فهو قاهر.
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فلأنه إذا قال: الحمدُ لِ {مالك يوم الدين} فانه ينبغي أن يقول: إيّاهُ نعبد فإنما هذا على الوحي. وذلك أن الله تبارك وتعالى خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قل يا محمد: {الحمدُ لله} وقل: الحمدُ ل {مالك يوم الدين} وقل يا محمد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
وأما قوله: {إيَّاكَ نَعْبُدُ} ولم يقل: أنت نعبد لأن هذا موضع نصب. وإذا لم يقدر في موضع النصب على الكاف أو الهاء وما أشبه ذلك من الإضمار الذي يكون للنصب جعل إياك أو إيَّاهُ أو نحو ذلك مما يكون في موضع نصب. قال: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى} لأن هذا موضع نصب، تقول: إني أَو زيدًا منطلق. و: {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ}. هذا في موضع نصب. كقولك: ذهب القوم إلا زيدا. إنما صارت: {إِيَّاكَ} في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} في موضع نصب من اجل: {نَعْبُدُ} وكذلك: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أيضًا. وإذا كان موضع رفع جعلت فيه أنت وأنتما وأنتم، وهو وهي وأشباه ذلك.
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.
وأما قوله: {اهْدِنَا الصّرِاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فيقول: عَرِّفْنا. وأهل الحجازِ يقولون: هديتُه الطريقَ أي: عَرَّفته، وكذلك هديتُه البيتَ في لغتهم. وغيرهم يُلّحق به إلى.
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضَّالِّينَ} {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} نصب على البدل. و: {أَنْعَمْتَ} مقطوع الألف لأنك تقول يُنعِم فالياء مضمومة فافهم. وقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} هؤلاء صفة: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} لأن {الصراطَ} مضاف إليهم، فهم جرّ للإضافة. وأجريت عليهم {غيرَ} صفة أو بدلا. وغَيْر ومِثْل قد تكونان من صفة المعرفة التي بالألف واللام، نحو قولك: إني لأَمرّ بالرجلِ غيرِكَ وبالرجلِ مثلِكَ فما يشتمني، وغير ومثل إنما تكونان صفة للنكرة، ولكنهما قد احتيج إليهما في هذا الموضع فأجريتا صفة لما فيه الألف واللام، والبدل في غير أجود من الصفة، لأن الذي والذين لا تفارقهما الألف واللام، وهما أشبه بالاسم المخصوص من الرجل وما أشبهه.
و {الصراط} فيه لغتان، السين والصاد، إلا أنا نختار الصاد لأن كتابها على ذلك في جميع القرآن. وقد قال العرب هم فيها الجَمّاءَ الغفيرَ فنصبوا، كأنهم لم يدخلوا الألف واللام، وإن كانوا قد أجروهما كما أجروا مثلك وغيرَك كمجرى ما فيه الألف واللام وان لم يكونا في اللفظ. وإنما يكون هذا وصفا للمعرفة التي تجيء في معنى النكرة. إلا ترى انك إذا قلت: إنّي لأَمرُّ بالرجلِ مِثلك إنما تريد برجلٍ مثلِك. لأنك لا تحدّ له رجلا بعينه ولا يجوز إذا حددت له ذلك، إلا أن تجعله بدلا ولا يكون على الصفة. ألا ترى أنه لا يجوز مررت بزيدٍ مثلِك إلا على البدل. ومثل ذلك: إنّي لأَمُرُّ بالرجلِ من أهل البصرة ولو قلت: إنّي لأَمُرُ بزيدٍ من أهل البصرة لم يجز إلا أن تجعله في موضع حال. فكذلك: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم}.
وقد قرأ قوم: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} جعلوه على الاستثناء الخارج من أول الكلام. ولذلك تفسير سنذكره إن شاء الله، وذلك أنه إذا استثنى شيئا ليس من أول الكلام في لغة أهل الحجاز فإنه ينصب ويقول ما فيها أحد إلاّ حمارًا، وغيرهم يقول: هذا بمنزلة ما هو من الأول فيرفع. فذا يجرّ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ} في لغته. وإن شئت جعلت غيرَ نصبا على الحال لأنها نكرة والأول معرفة، وإنما جرّ لتشبيه الذي بالرجل. وليس هو على الصفة بحسن ولكن على البدل نحو: {بِالنَّاصِيَةِ} {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ}.
ومن العرب من يقول: هِيّاك بالهاء ويجعل الألف من إيّاك هاء فيقول: هِيّاك نعبد كما تقول: إيهِ وهِيهِ وكما تقول: هَرَقت وأَرَقْتُ.
وأهل الحجاز يؤنثون الصراطَ كما يؤنثون الطريقَ والزُقاقَ والسبيل والسوقَ والكَلاّءَ. وبنو تميم يذكّرون هذا كله. وبنو أسد يؤنثون الهُدى. اهـ.